الثلاثاء، 22 يونيو 2010






شعرت بالغثيان، وأمتطى بعض الغضب جسدي، وأنا أرى صورة المواطن "محمد" مطأطئ الرأس في انكسار برفقة عائلته التي " استعرضها" حزب الإنسان أمام ضيوفه مُتباهياً بمساعدتهم مادياً في حفل أقيم – خصيصاً- لهذا الغرض دون مراعاةً لحرج الزوجين وبما سيطال الأطفال من قسوة أقرانهم..!! فبعد أن وجد السيد الموسوي أن الإعلان عن حزب الإنسان – ورغم كل ما سُخر له من إمكانيات مادية وإعلامية - لم يحرك في الناس إلا الشفقة على شخصيةً " احترقت" أوراقها وما زالت تكابد للبقاء تحت الأضواء؛ وجد أن خير طريقةً للتسويق لـ"جنينه الميت" هي تحويله لصندوق خيري للمتاجرة بالحرمان الذي ركب قاربه بالأمس فأوصله للشط . فقدم مساعدةً لأسرهً قوامها زوجُ شيعي وزوجةُ سنية مصوراً ارتباطهم على أنه ملحمةٌ غير عادية (!!!) ولازال يذّكرنا - كل يوم تقريباً- في مقالاته بتلك الإعانة !!!
والشاهد أننا – كإعلاميين- يتسنى لنا دوما عرض حالات إنسانية ومساعدتها.. وتمتهن الجمعيات الخيرية ذلك الدور يوميا.. وينهض أهل الخير ببناء بيوت بأكملها وتعليم وعلاج المئات كل عام.. ورغم ذاك لا أذكر أني سمعت بمن تاجر ، بهذا الشكل الفج والمهين، بمساعدة إنسانية قدمها. والآن وقد أعلن " الحزب" عن مشروع تقديم مكيفات للأسر المحرومة؛ لا ندري هل سيقيمون احتفالية بتوزيع كل مكيف على حده.. أم ستكون الاحتفالية هذه المرة " بالجملة " كالأعراس الجماعية..؟!
فسيد ضياء مصرٌ على عدم إسدال الستار على ملهاته الكبيرة؛ رغم ضجر الجمهور وانفضاضه عنها..!!
على كلٌ لسنا هنا لنناقش الموسوي كشخص ، فحياته وما يلبسه وما يخلعه لا يعنينا، بل نناقشه كنموذج مؤسف لشرذمةً من الطموحين الذين وجدوا في المعارضة حصان طروادة ؛ فاختبئوا داخل آلام الناس واستخدموا ثقتهم لاختراق حصن السلطة.. ورغم أن قلةٌ هؤلاء مقارنةً بالقابضين على جمر مبادئهم؛ إلا أن خيبة الناس فيهم زرعت شوك الشك في عيون الجماهير التي باتت تخاف أن تثق؛ فتُحبط وتُخذل من جديد..
بيد أننا لو أمعنا النظر فسنجد أن ما حدث مع الرجل لم يكن مفاجأة حقاً.. فالموسوي ؛ كما يكرر دوماً؛ سليل بيئة معوزة – وما في ذلك ما يُعيب- لذا فإن إطروحاته النارية ؛ التي استخدم فيها موهبته الاستثنائية في مراقصة الكلمات ؛ كانت تعبر عن وجعه الشخصي وصراعه مع القهر والبطالة والفقر.. فلما داوت العطايا جروح فاقته و " بهـّرت" توابل الرفاهية أيامه ؛ تحولت مقالاته من الحديث عن " الظلم والخبز والمشانق" ؛ للحديث عن "العصافير والياسمين والسكر".. مصداقا للشاعر الذي قال :

صلى المصلي لأمر كان يطلبه .... فلما قضى الأمر لا صلى ولا صامَ !!
****
العتب الحقيقي على الموسوي ، لا في أنه أختطف الجزرة لما لاحت له ، بل في أنه لم يكتف بالمناصب والعز بل ظل جائعاً للأضواء متعطشاً للانتباه - فبدل بضاعته- عوضا عن غلق الدكان.. فاستخدم زُخرف كلماته وعباراته الأنيقة – مجدداً- ليقنعنا أن العيب فينا معلقاً وزر خيباتنا على شماعة عقولنا التي لا تستطيع أن " تُحلق وترقص الباليه وتستمتع بغناء البلبل" ورامياً بإثم إحباطاتنا الوطنية على السياسة داعياً إيانا " للخروج من شرانقنا" و" مقاتلة العالم بالورود" وغيرها من الترهات التي يحاول عبرها تضليل الأسباب الحقيقية لما نعيش. بذلك هو أشبه ما يكون بمن لديه عليلٌ تقيّح جسده من المرض وفاحت منه ريحٌ نتنه فقرر مواجهتها " بسلاح العطور الفرنسية" لإخفاء الرائحة ؛ عوضاً عن تشخيص العلةً ومعالجتها..!!
وسط كل هذا يجهل - أو يتجاهل- صاحبنا ؛ الذي أسس في البدء مركز الحوار مع الأديان وهاهو ينشئ حزب الإنسان وربما ينشئ في المستقبل مشاريع " استحلاب" أخرى..بأن الورقة التي تحترق؛ لا تعود خضراء كما كانت.. وأنه ؛ وإن أصطف في خانة الكتّاب الليبراليين والحكوميين؛ فقد يتقبل منهم بقبول حسن ولكنه لن يُتقبل منه " شعبياً نعني".. فالناس لا تقبل تحول إمام مسجد ، ومعارض شرس، لعازف عود " واخترنا العود تحنّنا" وهذا واقع لا يملك تغييره - لسوء طالعه- أحد !!
ختاما؛ له ولعموم المعارضين الذين يخططون لاقتحام "طروادة" بمعية حصان المعارضة نقول:
قد يدخلكم الحصان الخشبي الحصن.. ولكنه لن يدخلكم التاريخ.. فلا ترهقونا - وترهقوا أنفسكم- بالمحاولة !!

في حضرة رسالة ماجستير لافتة تدرس دور الضحية فيما يقع عليها من ظلم واعتداء - ابتسمت- وأنا أتذكر كاليجولا؛ الشاب الروماني الذي لُقب « بإمبراطور الدماء والعطور» والذي ذكره ديورانت في كتابه (قصة الحضارة) ووجدت فيه أنموذجاً – ولو متطرفاً- لما بات علم الجريمة الحديث يسعى لإثباته.. فكاليجولا ذاك بدأ حياته ميالا للخير والفن والأدب حتى تسلل سم السلطة المطلقة لعقله فطغى؛ وفقد عقله..
طلب من أعضاء مجلس الشيوخ تقبيل قدميه، فلما قبلوها وسحب جل صلاحياتهم.. ثم جعل حصانه المحبوب (انستاتس) عضوا في مجلس الشيوخ، ولاحقاً، لما وصل العته به مداه، اختاره مسانداً!!
ولم يكن في حياته الشخصية أقل غياً.. إذ كان يستحم بالعطور عوضاً عن الماء، ويبذخ بشكل أفلس معه خزينة الدولة.. كما دأب على تطليق النساء من أزواجهن ليتزوجهن، ووصل به الأمر أن قتل زوج أخته درازيللا ليتزوجها هو..!!
ومن طرائف وحشيته أنه قرر يوما تقديم كل المساجين «الصلع» وليمة لأسوده ونموره - وهم أحياء- تعبيراً عن سخطه على الصلع لما بدأ يفقد شعره !! ومنها أنه أقام ذات مرة مأدبة لضيوفه وذكرهم خلالها انه قادر على قتلهم كلهم حيثما هم متكئون؛ فلما ضحكوا ساخرين أمر بقتلهم جميعاً..!! في أيامه الأخيرة، وقبل أن يتآمر عليه ضباطه ويقتلوه، سأله احد ناصحيه « لم تفعل كل هذا؟»، قال «لمجرد أني أستطيع..»
قصة كاليجولا، وكما هي مثال على ما تفعله السلطة المطلقة بالعقل البشري، هي مثال أيضاً على ما يمكن أن يجره الفرد/ المجموعة على أنفسهم من ويلات جراء الضعف والاستكانة.. واسمحوا لنا أن نأخذ الأمر هاهنا من زاوية فلسفية قليلا:
الطبيعة البشرية، في صيغتها البدائية، قائمة على الأنانية والرغبة في التمدد والتضخم على حساب الآخرين.. الشاهد الأوضح للتدليل على ذاك هو التذكير برجل الكهف؛ الإنسان بصيغته غير المشذبة ولا المروضة.. فرجل الكهف، كان يأكل ويستخدم ويستعبد كل حيوان وإنسان يستطيع هزيمته. أما الحيوان الذي لا يملك الجلّد والقوة على مقارعته فقد كان يتحاشاه ويفر منه ..
ولو نظرنا بعمق للسبب الرئيس في وجود العبودية والسلطوية فسنجد أنها ليست في وجود فرد/ مؤسسة/ نظام جبار.. بل في وجود من يركن/ يرضخ/ يستكين/ يقبل بهذا الفرد الظالم أو النظام الجبار.. بهذا التوصيف فكل من يعاني القهر والعبودية مشارك - بدرجة ما قلت أو كثرت- في استمرار معاناته «ونشدد هنا -لا في خلقها- بل في استمرارها وإدامتها» وهو ما يدافع عنه تيار جديد في علم الجريمة الحديث إنما على مستوى فردي..
فالقاتل المتسلسل.. المغتصب.. والسارق لا يختار ضحيته -حقاً- بعشوائية.. بل يكون معادلة حسابية لا شعورية « تستغرق ثواني على الأرجح›› يقرأ فيها ضعف الآخر.. استسلام الآخر.. اهتزازه وانهزاميته قبل أن يقرر أنه - دوناً عن سواه - يصلح لأن يكون ضحيته..
ربما، وأمام هذه المعلومات، آن لنا أن نسأل:
كم مرة جررنا الظلم على أنفسنا.. وكم مرة شجعنا - كأفراد أو جماعات - مهمة التعدي علينا ؟! وبأي قدر كنا نحن جلادينا؛ وكانوا هم ضحايا ضعفنا..